العقيد/ محمود سودان يكتب عاشوراء: يوم المغفرة والتوبة.. ونجاة موسى وغرق فرعون

 

عاشوراء: يوم المغفرة والتوبة.. ونجاة موسى وغرق فرعون




العقيد محمود سويدان 🇪🇬 


لماذا صامه النبي صل الله عليه وسلم وما فضله؟

في سياق الأيام الفضيلة التي خصها الله تعالى بمزيد من الأجر والثواب، 

يأتي يوم عاشوراء في العاشر من شهر المحرم، ليقف شاهداً على عظيم رحمة الله بعباده وقدرته على إنجاء أوليائه وإهلاك أعدائه. هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في التقويم الهجري، بل هو مناسبة عظيمة حملت في طياتها قصص الأنبياء، وشهدت نجاة أقوام، وتوارثت الأجيال فضائلها. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على صيام هذا اليوم، بل وأمر به، وجعله من السنن المؤكدة التي يُكفِّر الله بها الذنوب. فما قصة هذا اليوم؟ وما الحكمة من صيام النبي صلى الله عليه وسلم له؟ وما الفضل العظيم الذي ينتظر من يُحيي هذه السنة؟ دعونا نستكشف سويًا أبعاد هذا اليوم المبارك وفضائله الجمة.


نجاة موسى وغرق فرعون

يعود أصل تعظيم يوم عاشوراء إلى حادثة عظيمة وقعت في هذا اليوم، وهي نجاة نبي الله موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون وجنوده، وغرق فرعون وجنوده في اليم.

كان فرعون طاغية متكبراً في الأرض، يستعبد بني إسرائيل ويذبح أبناءهم. فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج بقومه ليلاً. فلما علم فرعون بذلك، لحق بهم بجيش عظيم حتى أدركهم عند البحر. ظن بنو إسرائيل أنهم هالكون، فقد أصبح البحر أمامهم وفرعون خلفهم.

وهنا تجلى قدرة الله تعالى وعظيم فضله. فأوحى الله إلى موسى: \{فَاضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ\} [الشعراء: 63]. فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق، فكان كل فِرق كالطود العظيم (الجبل الشاهق)، وظهر طريق يابس في وسطه، فمر موسى وقومه فيه.

ولما تبعهم فرعون وجنوده ودخلوا في الطريق الذي انفلق لهم، أمر الله البحر أن يعود كما كان. فانطبق عليهم الماء وهم في وسطه، فغرق فرعون وجنوده عن بكرة أبيهم، ولم ينجُ منهم أحد.


لقد كان هذا اليوم، يوم عاشوراء، يوم نصر عظيم للمستضعفين، ويوم هلاك للطغاة الظالمين. ولذلك، كان موسى عليه السلام يصومه شكراً لله تعالى على هذه النجاة العظيمة، وتوارث اليهود صيام هذا اليوم تعظيماً له.


وعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة بعد الهجرة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء. فسألهم عن سبب صيامهم، فأجابوا بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ." (صحيح البخاري ومسلم)

ثم بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم فضل صيام هذا اليوم العظيم. فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال:

"أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ." (صحيح مسلم)


وحرصاً منه صلى الله عليه وسلم على مخالفة أهل الكتاب، عزم على أن يصوم يوماً قبله في العام القادم، لتمييز صيام المسلمين عن صيام اليهود. فعن ابن عباس أيضًا قال:

"لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." (صحيح مسلم)


شرح الأحاديث ومراتب صيام عاشوراء

أصل الصيام: تبدأ قصة صيام عاشوراء من شكر نبي الله موسى عليه السلام لربه على نجاة قومه من فرعون وجنوده. وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم لكونه أحق بموسى عليه السلام من اليهود، فصامه وأمر بصيامه للمسلمين. كان صيامه في بداية الأمر مؤكدًا جدًا، فلما فُرض صيام رمضان أصبح صيام عاشوراء سنة غير واجبة.


فضل الصيام: الفضل العظيم لصيام يوم عاشوراء هو تكفير الذنوب الصغيرة للسنة الماضية. وهذا فضلٌ يدل على سعة رحمة الله تعالى. وإذا لم تكن هناك ذنوب صغائر، يُرجى أن يُرفع العبد درجات، أو تُكفّر عنه كبائر الذنوب بفضل الله ورحمته، أو تكون حسنات مدخرة له يوم القيامة.


مخالفة اليهود والنصارى: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التميز عن أهل الكتاب في عباداتهم. لذا، عندما أُخبر أن اليهود يعظمون اليوم العاشر وحده، عزم على صيام اليوم التاسع معه في العام القادم. 


وبهذا تكون السنة أن يصام يوم قبل عاشوراء أو بعده.

تتلخص مراتب صيام عاشوراء في الآتي:

 _الأكمل والأفضل: صيام يومي التاسع والعاشر من المحرم (تاسوعاء وعاشوراء).

 _المقبول والجائز: صيام اليوم العاشر وحده، ويحصل به الفضل المذكور في الحديث.

 _مرتبة أخرى (لزيادة الفضل): صيام أيام التاسع والعاشر والحادي عشر من المحرم.


أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال في هذا اليوم الفضيل.


اللهم يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن حال، في يوم عاشوراء نسألك مغفرة الذنوب، وقبول الأعمال، والبركة في الأرزاق، والعافية في الأبدان، ورفع الدرجات في الجنات. اللهم يا رب العالمين، اجعل هذا اليوم المبارك مفتاح خير وبركة لنا ولأمتنا الإسلامية.

وصل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،،


وأهنئكم جميعاً، تقبل الله صيامكم وقيامكم، وغفر ذنوبكم، وبلغكم ما تتمنون من الخير. كل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم.


والله أعلم 


الفقير إلى الله محمود سويدان

إرسال تعليق

0 تعليقات