مشاهد من القرآن الكريم
فذكر أن الذكرى تنفع المؤمنين.
حين تكون الخيرية مشروطة، واللعنة موروثة!!!!
قال تعالى :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
من سورة آل عمران- آية (110)
في زمن اختلطت فيه الشعارات بالواقع، نحتاج أن نعيد تأمل واحدة من أعظم الشهادات القرآنية:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾
— آل عمران 110
هذه الخيرية ليست وسام شرف دائم، بل مسؤولية مشروطة بثلاثية واضحة المعالم:
أمر بالمعروف
نهي عن المنكر
إيمان حي بالله يترجم إلى سلوك.
ثم تأتي الآية لتقارن حال أمة الإسلام بحال أهل الكتاب:
﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًۭا لَّهُمْ ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ﴾
نُزّهت القلة المؤمنة، أما الأكثرية فقد وُصفت بالفسق — لا لأنهم ارتكبوا فقط، بل لأنهم تخلّوا عمّا وجب عليهم فعله، وسكتوا حيث كان يجب أن ينهوا.
من الفسق إلى اللعنة: انتقال مفزع
القرآن لا يترك هذا الوصف معلّقًا. بل في سورة المائدة، يكشف السبب المباشر للعقوبة التي لحقت ببني إسرائيل:
﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ﴾
﴿كَانُوا۟ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍۢ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ﴾
( المائدة 78–79)
العقوبة لم تكن فقط لكفرهم، بل لأنهم فقدوا المناعة الأخلاقية؛ تركوا النهي، وسكتوا، واعتادوا القبح حتى صار مألوفًا.
السكوت ليس حيادًا… بل خيانة جماعية
النصوص تُنذر بخطورة هذا السكوت، وتحذر من العواقب التي لا تفرّق بين الظالم والصامت:
﴿وَاتَّقُوا۟ فِتْنَةًۭ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمْ خَآصَّةًۭ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾
( الأنفال 25)
قال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين ألا يُقرّوا المنكر بين ظهرانيهم، فيعمّهم الله بالعذاب".
وجاء التحذير النبوي صريحًا:
"لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم."
(الترمذي، حسن)
"من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان."
( مسلم)
وفي أثر رواه الطبراني:
"إن الله لا يعذّب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن يغيروه فلا يغيروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله العامة والخاصة."
فالسكوت عن المنكر ليس حيادًا بل تواطؤًا بالصمت. وأدنى مراتب الإنكار أن يتمعّر وجهك لله، لا أن تتعايش مع الباطل باسم “الحكمة” أو “الهدوء”.
من الفرد إلى الأمة: سلسلة الانهيار
المنكر لا يبدأ بحاكم يظلم أو جيوش تقتل… بل يبدأ حين يغيب الحد الأدنى من الإنكار، في مواقف يستطيعها كل واحد منا، بلا ثمن يُذكر:
يكسر شاب حياء فتاة بكلمة أو نظرة، ويمضي الناس من حوله كأن شيئًا لم يُمسّ.
طفل يدخن، والبالغون يتجاهلون.
موظف يذل مواطنا ، ولا أحد يقول: "خاف الله، هذا إنسان".
هذه مواقف لا تتطلب بطولة، بل يقظة ضمير.
لكن غيابها المتكرر يصنع بيئة قابلة للانهيار، تبدأ بالأفراد وتنتهي بالأمة.
الخاتمة:
"كنتم خير أمة" ليست شهادة تاريخية، بل اختبار يتجدد مع كل منكر يُرتكب ويُسكت عنه.
ومن لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فقد تنازل عن سبب خيريته، وسار في درب من سبقه من الملعونين.
الفرق بين الأمة الحيّة والأمة الميتة…
ليس عدد صلواتها، بل درجة حرارة ضميرها حين ترى الباطل.
دمتم سالمين غانمين
اللهم علمنا ماينفعنا وأهدنا سبيل رشد ورشاد.
تحياتي
أشرف الألفى
🇪🇬
0 تعليقات