تلات ورقات رواية منال الشربيني 6 🇪🇬

 

الفصل السادس

تلات ورقات  رواية د منال الشربيني



موجوعةً، كانت أحلام تسمع دعوات أمها عليها طوال الوقت، وكنت أرى الدموع تتجمد في عينيها، كانت تنظر إلي بحزن، وتشيح بوجهها إلى البراح، الذي كان يلف الدار، ونراه جميعًا من وراء النوافذ الزجاجية أفقًا رحيبًا لا يحده حد، لكنه كان  يعني بالنسبة لأحلام نضال.

 استغربت كثيرًا حين وافقت أحلام على الزواج من عريس الضفة، وسألتها :

- ماذا عن نضال؟".

-  سيبقى نضال.

- ولماذا توافقين على الارتباط بروح لا يتمم روحك؟

-  لا أحد يفهم الروح هنا،الحديث عن الروح محفوف بلعنات وسباب أمي، والله يستجيب للأمهات.

- لا، بل الله يستجيب لدعوة الحق.

-  إذن، فأمي على حق"، ألا ترين؟، ها أنذا اليوم عروس للضفة. 

-  ستقييمن هناك عند نار الله الموقدة؟".

-   أينما تكونوا يدرككم الموت، هكذا قالت لنا معلمة الدار يومًا.

- ولكن، قلبي يحدثني أنك لست بخير.

- لاتقلقي سيدة ريم، سأكون على مايرام.

قلت في نفسي لقد تبدلت حال الفتاة من فرط الحزن فراحت تختصر الحياة في الموت، يبدو تأثير الآنسة باسمة ،معلمة الدار، واضحًا على طريقة تفكير أحلام، فهذه أول مرة أراها غير متمردة. ترى! ما سر هذا الاستسلام المفاجيء؟ أعرف عنادها واعتدادها برؤيتها ونفسها، ترى ما الذي حدث؟

 كانت الفتيات يتعلمن التجويد، ويحفظن القرآن، والحديث، عند الآنسة باسمة بدار حفصة لتعيلم القرآن، كانت لها سمعة طيبة للغاية، وكانت تحظى بحب وثقة الجميع.  في البدء رغبت الفتيات في الذهاب إلى الدار مرتان أسبوعيًا، كي يقطعن روتين القرية ويخرجن قليلًا، كي لا يكتئبن. وشيئًا فشيئًا، أحببن الآنسة باسمة. كانت تشتري أغطية الرأس، وتتكلم عن قيمة الحجاب للمرأة، وفي كل محاضرة تقوم بوضع الحجاب بنفسها على من يرغبن من فتيات. كانت الفتيات يخرجن لحضور الدرس بشعورهن المنسدلة على ظهورهن، ويرجعن إلى بيوتهن وقد ارتدين الحجاب. كنت بين الحضور يومًا ورأيت بنفسي، كيف كان الفتيات يسلمن لها رؤوسهن، كي تغطيها بالحجاب، كان مشهدًا مهيبًا، وكنت لا أستغرب حين تبكي النسوة من رهبة الأمر فقد كانت تسري القشعريرة بجسدي في كل مرة يخرج وجه إحدى الفتيات من الطرحة كأنه  الفجر. كان للستر معنى حيًا، وسرًا يمارس سطوته على الجميع، ولقد رأيته بنفسي حيًا يرزق في هذا المكان. عند انتهاء الجلسة تحظى الفتيات اللواتي ارتدين الحجاب بمباركة الجميع. 

خرجت من عندها وأنا أحييها بشدة، وأشيد بقدرتها على تحريك وعيهن بحنكة، كانت تمارس الهندسة الاجتماعية ببراعة شديدة، وكن يأتين إليها من كل فج عميق. كنت أصفق لها كثيرًا بيني وبين نفسي، وتمنيت لو اجتمع العرب يومًا على أمرٍ واحد، كما اجتمع القرية على شكر مجهودات الآنسة باسمة في أمر الحجاب.



 قرأت في أحد التقارير، أن حكومة الاتحاد السوفياتي، قامت بحملة تغيير جذري، في السلوك، والمثل العليا للمواطنين السوفيتيين، لتحل محل الأطر الاجتماعية القديمة لروسيا القيصرية، لتتماشى مع الثقافة السوفيتية الجديدة، من أجل خلق الإنسان السوفيتي الجديد. واستخدم السوفيتيون في ذلك الصحف، الكتب، الأفلام، الترحيل الجماعي، وتكتيكات التصميم المعماري لتكون بمثابة الدافع الاجتماعي  لتغيير القيم الشخصية والعلاقات الخاصة، ومن هنا رأيت في الآنسة باسمة شكلت  مثالًا جيدًا على توجيه العقول نحو مسارات مغايرة بشكل مبهر، أثرت بشكل واضح على طريقة تسليم  نساء القرية رؤوسهن لها طوعًا. يا لها من بارعة!  


يُتْبَع...

Daily graph Arabia 

إرسال تعليق

0 تعليقات