المقاتل والبطل محمد حجازي يكتب ...

 محمد حجازي يكتب...




اللي في الصورة الأولى فوق على الشمال ده  يبقى " حسين توفيق " البطل الحقيقي لفيلم "في بيتنا رجل"، الشخصية البطولية اللي قام بيها "عمر الشريف"، ابن الذوات أشهر قاتل سياسي في التاريخ الحديث لمصر، فمن أوراق القضية رقم 1129 لسنة 1946م، بدأت حكايته سنة 1942م، لما عمل جمعية سرية لمقاومة الاحتلال وأعوانه، وبدأت مهام الجمعية بحرق معسكرات الإنجليز في حي المعادي، واستمرت العمليات بتاعتهم بعشوائية لحد ما "حسين" اتعرف على ظابط مفصول من الجيش اسمه "محمد أنور الساداتي"، أيوه هو، رئيس الجمهورية بعد كدا، "السادات" كان هربان من المعتقل بعد ما الإنجليز قبضوا عليه، بسبب اتصالاته مع الألمان خلال الحرب العالمية التانية، وسنة 1945م انتهت الحرب وسقطت الأحكام العرفية وبالتالي "السادات" بقى حر ومش مطارد..

ولكنه كان تولى زمام الأمور في جمعية "حسين توفيق" السرية، بيدبر وبيخطط و"حسين" وباقي زمايله بينفذوا، في نفس السنة دي تمت إقالة حكومة الوفد برئاسة "النحاس باشا"، وكان وزير المالية فيها واحد اسمه "أمين عثمان"، الراجل دا كان عنده ولاء منقطع النظير للاحتلال، وبعد إقالة الحكومة أسس في سنة 1945م "رابطة النهضة"، ضمت خريجي كلية ڤيكتوريا اللي اتخرج منها، وكان غرض الرابطة توثيق العلاقة بين الانجليز والمصريين، وعشان كدا اتشهرت باسم "جمعية الصداقة المصرية البريطانية"، وبسبب تصريحاته المؤيدة للاحتلال الإنجليزي باستمرار، كسب كراهية الشعب، وكان واحد من أقذر ما قاله: "إن الزواج بين مصر وإنجلترا هو زواج كاثوليكي، لا طلاق فيه"..


وقع اختيار "السادات" عليه عشان يكون هدف للجمعية السرية، وحط الخطة اللازمة لاغتياله، وبدأت العملية بالفعل بانضمام عناصر من الجمعية كأعضاء في "رابطة النهضة"، وقاموا برصد تحركات "أمين عثمان"، وتزويد أفراد الجمعية بيها، وبالفعل في مساء يوم السبت 5 يناير 1946م استنى "حسين توفيق" ومعاه واحد زميله أمام باب الرابطة، في انتظار قدوم أتومبيل "أمين عثمان"، وكان المتفق عليه بين أفراد الجمعية إنهم هيعملوا إشارة ضوئية بالكشافات لما يوصل ، ده اللي حصل، نزل "أمين عثمان" من عربيته وعمّر "حسين توفيق" طبنجته ودخل وراه العمارة رقم 24 شارع عدلي، اللي عند المعبد اليهو9دي..


زمايل "حسين" قطعوا الكهربا عن الأسانسير، اتعطل، واضطر "أمين عثمان" يطلع درجات السلم، وهو على الدرجة التالتة لاحظ وجود شخص عاري الرأس بيتتبعه وبيناديه باسمه، طبعاً وقتها كانت فيه طرابيش، بس كان "حسين توفيق" بدون طربوش، ويدوب بيلتفت له "أمين عثمان" أطلق عليه 3 رصاصات، وقع "أمين عثمان" على السلم واستغاث، صرخ، ودمه نزف على الأرض، في نفس الوقت اللي جري فيه "حسين" على الشارع، حصل هرج ومرج والدنيا انقلبت، و"حسين" مندفع وسط العابرين من شارع عدلي على ميدان الأوبرا واخترق زحام شارع "إبراهيم باشا"، اللي هو بقى شارع الجمهورية من عند باب محطة مترو العتبة دلوقت..


كانت عساكر الدورية والكونستابل وراه، فبدأ "حسين" يضرب النار من مسدسين كان شايلهم في إيديه، مشهد أكشن ولا الأفلام، والناس العادية على الجانبين وعناصر البوليس بتيجي من كل مكان، دايرة قسم عابدين كلها ثارت على الشارع، لحد ما خلص الرصاص اللي معاه، فقام رامي على اللي كانوا بيطاردوه قنبلة يدوية، انفجرت في منطقة بأول شارع الملكة فريدة واتوقفوا عن تعقبه، وقدر يهرب قرب ميدان رمسيس واختفى وسط الناس، ونقلوا "أمين عثمان" على مستشفى مورو لإسعافه، وحضر "النحاس باشا" وأكتر من وزير في الحكومة، وكمان حضر ياور السفير البريطاني "لورد كلير" لمتابعة حالته، وعلى مدار 5 ساعات من العمل الجراحي الطبي، فشلت كل المساعي ولفظ "أمين عثمان" آخر أنفاسه..


كان عدد المتهمين في القضية دي 26 شخص، التهم الموجهة إليهم هي قتل "أمين عثمان"، أو المشاركة في الجريمة، أو القيام بجرائم فرعية متعلقة بالجريمة الأساسية، وتم الزج ب"أنور السادات" في سجن الأجانب بدون اتهام رسمي له، وبقت أخبار القضية متصدرة عناوين الصحافة، وصورة "السادات" و"حسين" وباقي المجموعة بقت على صدر صفحاتها، والناس تقبلتهم كونهم أبطال، ودا بالمناسبة اللي خلى "السادات" أشهر واحد في تنظيم "الظباط الأحرار" بعد كدا، لكنه في الفترة دي رجع للسجن هناك، في ظلام زنازين قرميدان الرهيبة قابل مأساته القديمة، "السادات" اللي داق مرارة الاعتقال والحبس الانفرادي في الزنزانة 54، عرف الصبر والتحمل والجلد، ولكن المرة دي كانت الأقدار أرحم به هنا كان في السجن ظابط صغير وطني اسمه صلاح ذو الفقار


"صلاح" كان هو الضابط المسئول في السجن، وكان مؤمن في قرارة نفسه ببطولة المقاومة، وإن العمل السياسي بتاع المجموعة هو دور وطني تجاه البلد، فكان بيساعدهم وبيعاملهم بآدمية افتقدوها، المهم دلوقت إن "حسين توفيق" عمل خدمة العمر للمجموعة كلها، لأنه تحت وطأة التعذيب من زبانية البوليس السياسي اعترف بكل حاجة، بس برأ زمايله، وقال إن العملية كلها من تخطيطه وتنفيذه، وبعد كدا قدر يهرب خلال فترات التحقيق الطويلة، احتال على سلطات السجن وطلب الحصول على إذن بزيارة الدكتور لمداواة جراحه البشعة، فخرج عهدة مع واحد من ظباط القلم السياسي، وقدر يغفله ويهرب منه..


بعد هروبه أعلنت إذاعة القاهرة عن مكافأة كبيرة لمن يرشد عنه، وفي نفس الوقت هددت اللي يخبيه بعقوبات مرعبة وصلت لحد الإعدام، لأنها هتعتبره شريك أساسي في الجريمة، فات يوم والداخلية بتشمشم وراه، البلد كلها هايجة وحفظت ملامحه عن ظهر قلب، لأن صوره معلقة على الجدران وعلى الجرايد وبقت منتشرة في كل مكان، عاش "حسين" وقت عصيب من الوحدة والترقب والفزع، وحشة مؤلمة، وخوف من مجهول ما يعرفش آخره إيه، وفي نفس الليلة دي اتلقى الأستاذ "إحسان عبد القدوس" اتصال من زميله "سعد كامل"، طلب مقابلته ضروري لأمر خطير، ولما راح قابل معاه المتهم اللي مصر كلها بتدور عليه "حسين توفيق "


وبالفعل، رجع "إحسان عبد القدوس" بالبطل وخباه في بيته، ما كانش فيه أي علاقة بتربط "حسين توفيق" بيه غير الوطنية، الغرض كان حماية الشاب الفدائي من بطش الأمن، ويبعده عن عيون البوليس السياسي القميء، وفي التلات أيام اللي قعدهم "حسين" في بيت "إحسان" جت له فكرة رواية "في بيتنا رجل"، مجرد رجل ، وعاش تجربة خاصة مع البطل بتاعه، كانت أيام بتمثل صراع جيل بأكمله، والجدير بالذكر إن "إحسان عبد القدوس" كتب مقال بعنوان: "بينى وبين حسين توفيق"، فى مجلة "الإتنين والدنيا" عدد يوليو 1948م، قال فيه:


 " إن العلاقة بينى وبين حسين توفيق هى أغرب علاقة قامت بين كاتب وقارئ، فمنذ أن أطلق حسين توفيق النار على أمين عثمان، وأنا أحس كلما أمسكت قلمى لأكتب مقالاً أنى أكتب له، وأن صورته تلاحق كلماتى وتسألنى معانيها وما أقصده من ورائها، كان حسين يبادلنى نفس الشعور، ويعتبر مقالاتى خطابات شخصية له، وكان يجد أن من حقه أن ينتقدنى فيما أكتب ويناقشنى فيه ويغضب منى ويغضب لى، ولكن حسين توفيق لم يكن يمثل أمامى شخصه فقط، بل كان يمثل جيلاً كاملاً أنتمى إليه، ويعاني مثل ما أعانيه من حيرة وكبت، جيلاً يحقد على التاريخ لأنه لم يعش فيه، ويحقد على الحاضر لأنه لا يؤمن به، ويحقد على المستقبل لأنه لا يستطيع أن يطمئن إليه، جيلاً ينظر إلى زعماء بلده فلا يجد خيطاً واحداً يصل بينه وبينهم، أو بينه وبين واحد منهم، ويحاول أن يسمع فى أقوالهم أو يرى فى أعمالهم صدى لآرائه وترجمة لعاطفته فلا يسمع ولا يرى شيئا يقربه إليهم "..


التجربة الثرية بين الكاتب والمناضل انتهت في اليوم الرابع، لما واحد من الخدامين شاف "حسين"، فانكشف الموضوع، واتنكر "حسين" في هيئة ظابط بوليس، وراح استخبى في بيت تاني في الجيزة قبل ما يهرب على سوريا، وفي مقال منشور في جرنال الوفد قيل إن جماعة الإخوان المسلمين هي اللي هربته.. باقي المجموعة قعدت في السجن سنتين، وفي أغسطس 1948م تم الحكم ببراءة "السادات" في قضية اغتيال "أمين عثمان"، واتحكم على "حسين توفيق" غيابي بالأشغال الشاقة المؤبدة، كان "حسين" في سوريا عايش لسه دور الثائر ، و قابل هناك "عبد القادر عامر" واحد من أعضاء تنظيم "الحرس الحديدي‮"، ‬اللي‮ ‬كان هربان في ‬سوريا،‮ وانضموا هناك لحركة "القوميين العرب"..


سنة 1949م قام نائب رئيس الأركان للجيش السوري العقيد "أديب الشيشكلي" بالإنقلاب التالت، فحاولت الحركة اغتياله سنة 1950م، لكن بعد الحادث ألقت السلطات السورية القبض على "حسين توفيق" وباقي أعضاء الحركة واتحكم عليهم بالإعدام، وفي نفس سنة 1950م رجع "السادات" لشغله بالجيش، بمساعدة زميله القديم الدكتور "يوسف رشاد" اللي بقى الطبيب الخاص للملك فاروق.. وفي 23 يوليو 1952، قامت حركة الظباط وأسقطت الملكية، وتم عزل الملك "فاروق الأول"، وأجبروه على التنازل عن العرش لولي عهده الأمير "أحمد فؤاد"، وخرج الملك على يخت المحروسة للمنفى في إيطاليا، في رحلة ذهاب بلا عوده


في الوقت ده  استغل "أنور السادات" العلاقة اللي ربطت بيت الرئيس اللواء "محمد نجيب" والعقيد "الشيشكلي" اللي بقى رئيس هو كمان، وبعد كدا النظام البعثي بقى تابع للنظام الناصري، وقام متوسط عند السلطات السورية، وقدر يستصدر قرار بالعفو عن "حسين توفيق"، رجع الشاب الثائر لوطنه بعد غيابه لسنين، واختفى تمامًا عن الأضواء، لا ثورة ولا عمل فدائي ولا يحزنون، حتى لما اتعمل فيلم "في بيتنا رجل" سنة 1961م ما تمش التنويه عنه،


 وعاش مع اسرته إلي أن توفي عام ١٩٨٣م 


 حسين توفيق " أشهر الثوار اللي مروا في تاريخ مصر..!!

إرسال تعليق

0 تعليقات